• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

بين صناع الأفكار وصناع أسلحة الدمار: الصراع الذي لا يحسم

بين صناع الأفكار وصناع أسلحة الدمار: الصراع الذي لا يحسم

لقد عرفت البشرية تطورات مذهلة في مجال التسلح خلال مراحل تاريخها المتعاقبة, فمن السيوف والرماح والمنجنيق, التي كانت تعد القوة الضاربة في سالف عهدها, إلى الذخيرة الحية, فالمدافع الثابتة والمحمولة , الآلية ونصف الآلية, إلى الدبابات والطائرات الحربية على تنوعها, فالغواصات والأسلحة البحرية المتنوعة, وصولا إلى أسلحة الدمار الشامل؛ من صواريخ عابرة للقارات, وقنابل نووية ونترونية وهيدروجينية وما يلحق بها من وسائل تجسس فائقة التطور, وذات تكنولوجيا بالغة التعقيد, وعلى الرغم من التطور المذهل في وسائل الفتك والتدمير والإبادة الشاملة, إلا أن العالم يمسي ويصبح على أخبار تحمل له اختراعا جديدا, أو اكتشافا لم يعرف عنه من قبل شيئا في مجال التسلح وما يلحق به, تجعل من الموجود محدود الفاعلية والتأثير, إن لم تكن معدومة, وهكذا يغرق العالم يوما بعد يوم في صراع صامت, تفني فيه الرجال أعمارها, والدول ثرواتها, من أجل التفرد بملكية مالا يملكه أحد؛ لتكون به القوة الضاربة في الأرض, أو حتى لا يتجرأ على حماها أحد.

 ولكننا نعتقد أن التفرد بمعنى التفرد لم يحصل ولن يحصل لأحد, على الأقل بين الكبار؛ لأن الثورة التكنولوجية والرقمية فتحت آفاقا واسعة لكل من ملك ناصيتها ؛لأنه كلما جاءت منهم أمة بفاتكة جاءوها بلجامها وأكثر تدميرا, ولذلك ترى توجس الخيفة بين تلك الدول الأصل الذي يرجع إليه, وقوة الردع المتبادلة  مرجع الجميع في أمنه, وساحتها لا مجال فيها للضعيف أو الأفراد .

       لكنك إذا ما تأملت تاريخ الفكر الإنساني, وما ألقي فيه من أفكار, بغض النظر عن التناقض والتضاد الحاصل بينها, لوجدت أن تلك الأفكار إما أن تجلب صلاحا عظيما للإنسانية, أو فسادا عريضا, يؤدي إلى دمار شامل في الحرث والنسل؛ لأن الذين يصنعون الأفكار ويحسنون غراستها في النفوس فيجعلونها منقادة إليهم؛ إما أن يجعلوا منها رسل خير للعالمين, أو قنابل قابلة للانفجار في أي حين, مع العلم أن هذا النوع من الصناعة لا يحتاج إلى مصانع ولا مخابر ولا كبير تمويل, فكم من صاحب مذهب نشر مذهبه في الناس وهو أفقرهم , كما أن أساسها ومصدرها الأول هم الأفراد, ثم تتبناها الجماعات أو الدول, ولا يمكن ردعها وردها بقوة السلاح, أو الاحتياط منها بإجراءات أمنية, إلا بتحصين الفرد والمجتمع بأفكار مثلها, تساويها في القوة, وتعاكسها في الاتجاه, وبخاصة في عصرنا الحاضر وما يوجد به من تطور تكنولوجي هائل, حيث أصبح معه من اليسير جدا وصول الفكرة إلى أي مكان في العالم, وإلى أي شخص قصد بذلك

       كما أنه من العسير جدا إن لم يكن مستحيلا في بعض الحالات تعرف مافي عقول الناس من أفكار, وبخاصة إذا أخذوا حذرهم في إخفائها, وهذه مسألة عانت منها الأمم على اختلاف أجناسها, وفي جميع مراحل تاريخها, وتعاني منها اليوم أشد الدول بأسا وتطورا, وحتى الأجهزة الاستخباراتية, التي كان الناس إلى وقت قريب يعتقدون أنها مستحيلة الاختراق, فتحت فيها ممرات بات من العسير تداركها والاحتياط لها .

       بل إن تلك الأفكار أصبحت ترعب خصومها على بعد آلاف الكيلومترات, أكثر مما ترعبهم أسلحة الدمار الشامل, ومما يزيد في رعبهم لواجتمع الأمران في عقل رجل واحد ويده.

       والذي يبدو أن الأمور لا تحسم لصالح أي طرف إلا من أوتي الحكمة فأحسن الاحتواء إدراكا للداء وإتقانا للدواء

والله الموفق لما فيه الخير لأمتنا

 

 

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.