• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

المواساة بين أفراد المجتمع الدرع الواقي للوطن

المواساة بين أفراد المجتمع الدرع الواقي للوطن

إن الغالبية من الناس يعتقدون أن المواساة هي عمل من أعمال البر يعمد إليها الأغنياء لسد خلة جماعة من الناس أو قضاء حاجة الفقراء أو إجابة مضطر لمطلبه، ولكن الأمر أوسع من ذلك بكثير؛  فهي إسقاط الحظ، المتمثل في إسقاط الاستبداد والاستئثار بالحق والدخول في المواساة مع باقي أفراد العموم، وبهذا المفهوم فالمواساة بين أفراد المجتمع؛ هي سلوك من أسمي مكارم الأخلاق؛ حيث يصبح غيره من أفراد المجتمع في نظره مثل نفسه، فهو في كل الظروف والأحوال واحد منهم، وإذا آل الأمر إلى هذا فإنه يصبح غير قادر على الاستئثار لنفسه بشيء دون إخوانه من أفراد مجتمعه فهو مثلهم في كل شيء. ونظير هذا التصرّف وارد في قوله ﷺ: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم منّي وأنا منهم"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن في المال حقًا سوى الزكاة"..

وبهذا السلوك النبيل السامي لا يلحق الإنسان ضرر إلا بمقدار ما يلحق الجميع، ويحصل هذا عندما يعد كل واحد فينا المسلمين كلّهم شيء واحد، على مقتضى قوله عليه الصلاة والسلام: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا وشبك أصابعه".

      وتبلغ المواساة تمامها عندما تصل إلى حد الإيثار، وهذا يعني أن يترك الإنسان حظّه لحظ غيره، اعتمادًا على صحة اليقين، وإصابة لعين التوكّل، وتحمّلاً للمشقّة في عون الأخ في الله على المحبّة من أجله، وهو سلوك قد حرصت الشريعة على الدعوة إليه على وجه العموم في قوله تعالى: ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ  ﯻ    ﯼ   ﯽﯾ  [الحشر: ٩]، وعلى وجه الخصوص في وقائع كثيرة، منها قوله تعالى: ﭡ ﭢ  ﭣ ﭤ ﭥ  ﭦ ﭧ  ﭨ [الإنسان: ٨]، ومنها أيضًا ما نقل عن خلقه ﷺ: "أنه كان أجود الناس بالخير، وأجود ما كان في شهر رمضان، وكان إذا لقي جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة"، وقد قالت له ﷺ خديجة: "إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحقّ".

وانطلاقا من هذه الآداب الشرعية والمنح المرعية والسلوكات النوعية في ديننا الحنيف والتي حرص الإسلام على ترسيخها في المجتمع، بل ندب إليها ووجه تلقاءها، فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على فعل شيء أو يؤيد بقول أمر هو على يقين من ضرره على العباد والبلاد حتى وإن كانت فيه مصلحة حقيقية له ولجماعته، وبخاصة إذا كانت شهادة تتعلق بأشخاص يكون أثرهم على المجتمع كله.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

 

  د. عز الدين بن زغيبة

مدير التحرير

 

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.