• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

السعي السديد لإصلاح واقع أمتنا

السعي السديد لإصلاح واقع أمتنا

     إن الواقع الذي تمر به أمتنا لا يخفى على أحد من أبنائها، كما أنه لا يُرضي أي أحد فيهم، وكلنا يتساءل ما الذي يجب علينا القيام به لإصلاح هذا الواقع، ومعالجة تلك الأوضاع، وترميم ذاك البناء الحضاري الآيل إلى السقوط، وتدارك العقد الجامع قبل انفراطه؟

     وإنني لأتصور أن إعادة البناء الحضاري للأمة واسترجاعها لمقام العزة والشهادة اللذين شرفها الله بهما، يحتاج لإقامة العناصر الآتية:

    1 - تحقيق المثل الأعلى الذي نهتدي به في عملنا، ونستنير بنوره في بناء الواقع المنشود، وبالنسبة لي يتمثل هذا العنصر في إعادة كتابة السيرة النبوية بالصورة الملائمة، فكل ما كتب عن السيرة النبوية، حتى الآن، بما في ذلك التي تحصلت على جائزة الملك فيصل، لم تسلم من الخلل، فالغالبية العظمى لمصادر السيرة النبوية ومراجعها تحدثت عن أوضاعها الاستثنائية، ولم تتحدث عن حياته صلى الله عليه وسلم اليومية العادية، تناولٌ جعل حياته صلى الله عليه وسلم كلها نشاطات عسكرية، من غزوة بدر، إلى غزوة أحد، إلى غزوة الخندق إلى غيرها من الغزوات تتخللها عدد من السرايا، مع أنه بين بدر والخندق ست سنوات لا نعرف عنها شيئًا في السيرة إلا النزر القليل الذي نطق به بعض علماء السيرة، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء للحرب فقط؛ ولذلك فإننا نريد فريق بحث يملأ هذا الفراغ، بالاعتماد على كتب التفاسير، وعلى كتب الحديث والسنة، وعلى كتب السياسة الشرعية والآداب والأخلاق والمنح المرعية، وما ألفه العلماء في القضاء والحكومات النبوية نريده أن يقدم لنا سيرة ترسم حياة رسول الله اليومية لا الاستثنائية؛ لأن الحياة الاستثنائية المتمثلة في الحرب لسنا أهلاً لها الآن نحن المغلوبون على أمرنا، فنحن محتاجون إلى هديه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، ومع أهله، ومع عشيرته، ومع كل من كان يتعامل معه، فهذا ما نحتاج إليه اليوم، فإنه سيكون بمثابة المنارة التي نستنير بها في بناء الواقع.

2 - تأسيس منهجي لعمل فعال، نتدرج في سلمه لإنجاز عملية البناء اعتمادًا على مصادر المعرفة المعصومة وغير المعصومة، والتجارب والوقائع المنقولة، ونعني بها -فقه النوازل- الذي وجد لمعالجة وقائع ونوازل مختلفة ومتنوعة، أحدثها الناس أو نزلت بهم عبر العصور وفي أصقاع إسلامية متعددة، تحتاج منا إلى جمعها على تنوع مذاهبها ودراستها وتحليلها ومقارنتها مع المدونات التي ألفت في موضوعها، وكذا دراسة المنهجية التي اعتمدت في معالجتها؛ لنتمكن من استخلاص الضوابط والآليات التي استعملت في تنزيل الأحكام على الوقائع المتجددة، عسى أن نستفيد من تلك المنهجية وتلك الآليات في بناء واقعنا، مع مراعاة التنظير اللازم لذلك الآن.

3 - استكمال الركن الذي نأوي إليه عند انعدام النص في استنباط الأحكام، وأريد بذلك استكمال بناء صرح الفكر المقاصدي؛ فلا شك أن الكتابات في علم المقاصد حديثة، وأول من نادى بإحيائه الشيخ الطاهر بن عاشور، ثم توالت من بعده الكتابات؛ ليعرف هذا العلم بعد ذلك إنتاج غزير ونفعه يسير بسبب الاجترار والتكرار، وخلط الغث فيه بالسمين والخوض به في غير مواطنه، وإجرائه في غير مسالكه، مما أدى إلى عدم استكمال جوانب كثيرة منه، فلنستكمل هذا البناء، وسيكون مفيدًا ونافعًا ومعينًا لنا نحن في بلاد الإسلام، وصالحًا وملائمًا لإخواننا في الغرب.

 4 - تشييد المصدر الذي نستقي منه المعلومات والمعطيات المتعلقة بإخواننا في بلادنا الإسلامية وبلاد الغرب ومعرفة أخبارهم وأحوالهم، فلابد من إنشاء بنك للمعلومات يهتم بتتبع كل ما سلف ذكره، كما يكون من ضمن عمله ترجمة الأعمال التي أنجزها علماء الغرب حول الإسلام، وتؤسس جماعة من العلماء تنتقد الدراسات التي تتم ترجمتها، والتي تفيدنا نحن المسلمين في تحسين واقعنا ونستشف من خلالها نظرة الغير لنا.

5 – استغلال كافة وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام والاتصال لإطلاع الرأي العام في كل بلاد الإسلام وغيرها، على ما تم إنجازه، وصناعة السلوك العام للمجتمع؛ لأن ذلك يقوي الروح المعنوية ويعزز الشعور بوحدة الأمة، ويسعف النفوس في التغلب على إرهاقات الإنجازات ويعين الناس على تحمل أعباء المرحلة، ووعثاء الطريق المحتوم، للخروج إلى الرحب الفسيح، الذي تتفتح فيه الأبصار على ضياء حضارتنا، وهو يعود من نور صحيح، عندها يدرك الناس، أن سعينا الرجيح قد أثمر المتجر الربيح، وانتقلنا بفضل الله وقوته من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

       حيث يفرح المؤمنون يومئذ بتوفيق الله، ألا إن توفيق الله من الصادقين قرب.

د. عز الدين بن زغيبة

مدير التحرير

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.