• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

الإعلام العربي وصناعة الرأي العام : بين مرارة الفشل وبريق الأمل

الإعلام العربي وصناعة الرأي العام : بين مرارة الفشل وبريق الأمل

       إن المتأمل في المنظومات الإعلامية العربية بكلّ وسائلها ؛ المرئية, والمسموعة , والمكتوبة , على تعدد مشاربها ؛ الفكرية , والإيديولوجية , وما تستقطبه من موارد بشريّة وماليّة , وما أُعِدَّ لها من تنظيمات هيكليّة , وبنية قاعديّة , يجد عند موازنتها  مع الواجب المفترض أداؤه من قبلها , والماثل في إفادة المجتمع , وتوجيه فكره وتفكيره نحو القضايا المصيريّة للأمة , التي ترتبط بها مسألة وجودها , وإثبات ذاتها , وتمكينه من بناء وعي حضاري , يمتلك الصلابة اللازمة للصمود في وجه التيارات المعاكسة , إضافة إلى صياغة رأي عام ناضج , مبني على المعلومة الصحيحة , والخبر الموثوق , يصل المجتمع بالسلطة , ويقرب الشعب من القيادة , ويبصر الحاكم بواقع المحكومين , ويُمكِّن الرعيّة من تقدير الظروف المحيطة بقرار الراعي , واستعدادها للتعاون معه من أجل المصلحة العليا للأمة , إنّ البون واسع بين الوسائل والمقاصد , ويستوي في هذا الأمر  الإعلام العام والإعلام الخاص , وأسباب هذا المآل كثيرة ,  ترد من فجاج متعددة , فمنها ما هو ذاتي , ومنها ما هو داخلي , لا حول لها ولا قوة أمامه , ومنها ما هو خارجي لا قبل لها به . 

       وإذا أخذنا في حصر تلك الأسباب بتتبع مواقعها,  واستقصاء منابتها , واستقراء تفاصيلها , وجدنا أنفسنا في دور وتسلسل , لا يخرجنا منهما إلا إقالة أنفسنا من هذا الأمر , لكن من الممكن تبين مفاصل الخلل, التي تتجمع عند كل منها أسباب عديدة, مما ندركه ومما لا ندركه . 

       فماذا يتوقع من إعلام بعيد عن هويته , مجافٍ للسانه , ويعمل في ثوب غيره , كيف يكون له مع ودّ بني جلدته وصل , ولحيرتهم مصل , وفي خطابهم القول الفصل , بل كيف يغرس فيهم بذرة , أو ينبت فيهم فكرة , أو يحدث فيهم خصلة , بل كيف يجمعهم على رأي , أو يهيئهم لأمر , وإذا ما ذكر أمثاله لم يكن له من ذكرهم نصيب .

       وأمّ المصائب هنا أن الناس أفاقوا من سباتهم , والإعلام لا يزال له من أصحاب الكهف نصيب , فولوا للآخر وجوههم , وتجرّعوا من صنعه نصيبهم , وتكونوا بفكره , وعلى منواله , فراحوا ينظرون الواقع ببصره , ويفسرون الأحداث بطريقته , فتقطع الناس بين ما عهدوا وما وجدوا , ومضى المجتمع على هذا المنوال يدفع الثمن , على أمل أن تكشف عنه المحن . 

       وفي هذا الواقع المرصع بأطلال الإعلام , تنفس صبح أمل واعد , وخرجت للناس براعم تنشد المهنية والاحتراف , وتقتحم ما كان حكرا على الآخر, وتكشف زور إعلامه الناصب العداء لحضارتنا , وتعري نواياه , وتسقط قناعه , وتحقق نجاحا مطردا في تمكين المتابع العربي والمسلم من حقائق الأمور, ومنحه مجالا واسعا للموازنة بينها وبين ما سيق إليها من غيرها , فأعطت للفكر فرصته , ويسرت للإدراك طريقه , وأصبحت تقاسم الآخر ما يظنه ساحته , وشوكة تقض مضجعه , بل كانت في كثير من الأحداث مثابة له .

       لكن هذا الأمل لا يزال في مهده , وهو بحاجة إلى التهذيب , والنصح والترشيد , والأخذ بيده بدل الوقوف في وجهه .

        فحاجة الأمة أن يتطور إعلامها , وتتبدل مناهجه , وتتغير آليات أدائه , ويمد حبل الوصل بين عناصره ومؤسساته , لتكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى .

       هذا ما ننشده وينشده كل عربي ومسلم , حريص على وحدة أمته , وسلامة كيانها من الاختلال والانخرام .

والله الموفق لما فيه الخير والسداد لأمتنا .

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.