• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

الاستقلالية في المجلات العربية

الاستقلالية في المجلات العربية

       عندما نتحدث عن المجلات في العالم العربي, نتحدث عن أنواع عديدة, منها:

1 -  المجلات الثقافية؛ وهذه إما أن تكون عامة تتناول جميع فروع المعرفة والثقافة والفن أو معظمها, بطريقة مبسطة وسهلة, بعيدة عن المنهجية والدقة العلمية, ولا تخلو من فائدة لعوام الناس, وإما مجلات ثقافية متخصصة؛ كالتي تتناول لوناً واحداً من ألوان الثقافة والمعرفة, مثل المجلات التي تهتم بشؤون الأسرة أو بالمرأة وقضاياها أو بالرياضة أو الطبخ أو الأزياء, أو غير ذلك من حقول المعرفة والثقافة والفن.

2 – المجلات والدوريات البحثية الأكاديمية, فكرية كانت أو علمية، وهي بدورها تنقسم على نوعين:

أ – مجلات ودوريات متخصصة؛ وهي التي تهتم بنوع واحد من أنواع العلوم الإنسانية والتطبيقية, أو لون من ألوان الفكر, مثل المجلات الأدبية أو التاريخية أو الفقهية أو الاجتماعية أو المكتبية المتخصصة في علم المكتبات والمخطوطات وغيرها, ويندرج في هذا السلم المجلات العلمية المتخصصة في العلوم التطبيقية والتجريبية؛ التي تهتم بقطاع علمي محدد، كالبيولوجيا أو الفيزياء أو الرياضيات, أو الطب, أو الكيمياء, أو بمجال خاص كالصحة أو البيئة وغيرها, سواء أكانت هذه المجلات والدوريات محكمة أم غير محكمة, وسواء أكانت مترجمة من لغات أجنبية كليا أو جزئيا أم غير مترجمة بالكلية.

ب – عامة؛ وهي التي تحوي بين دفتيها طائفة من العلوم وفروعها, وجملة من ألوان الفكر وصوره, فموضوعاتها تتنوع بين الفلسفي والكلامي والاستشراقي والدعوي والتربوي والأدبي والتاريخي والشرعي واللغوي, والدراسات المتعلقة بتاريخ العلوم, كما تعالج القضايا التراثية والحداثية وغيرها من منازل الفكر الإنساني ومدارجه, وقد تكون هذه المجلات محكمة, وغير محكمة, كما أنها قد تتضمن نصوصاً مترجمة, وقراءاتٍ لمفكرين وباحثين في بعض الكتب والنصوص المنشورة.

       إننا لو تتبعنا ما ذُكِر من أنواع المجلات والدوريات لوجدناها تتفق في أغلبها على أمر واحد؛ هو الإشارة في صفحاتها الأولى إلى أن ما ينشر فيها من بحوث ومقالات يعبر عن أراء أصحابها, ولا يعبر بالضرورة عن رأي المجلة, وهي عبارة تستعمل عادة للتعبير عن الاستقلالية العلمية والفكرية.

       فما المقصود بالاستقلالية العلمية والفكرية إذن؟

       إذا كان المقصود بالاستقلالية العلمية والفكرية؛ التجرد الكامل من المرجعيات الدينية أو القومية أو المذهبية أو الإديولوجيات أو الأفكار المترسبة في النفس بفعل العوامل التكوينية, فهذا وهم وضرب من الخيال, لأن كل واحد منا في نهاية الأمر يتحدث من موقع معين في المنظومة التي ينتمي إليها, ويؤمن بأفكارها, ويكرس علمه وجهده وماله لخدمتها وترسيخها في الواقع؛ أي بمعنى أنه ينطلق من اختيارات فكرية، أو خلفية تصورية سابقة، تنبجس من خلال انتماءاته التاريخية والجغرافية، ومرجعيته الفكرية والثقافية الظاهرة والباطنة, وبناءً عليه فالاستقلالية، على هذا المستوى غير واردة أبداً, ودليلك في هذا التقابل القائم بين المجلات التي تتبنى توجهاً دينياً والتي تتبنى توجهاً لا دينيا, إلى جانب مركزية الأقلام التي تكتب في بعض المجلات التي تتبنى الوسطية في أطروحاتها, مما يوحي إليك أن الذي يدور في غير فلكها غير مرغوب فيه حتى ولو كان من دعاة الوسطية, حتى المجلات التعليمية الموجهة للأطفال تجد الصور التوضيحية الموجودة بها مثقلة بالمعاني الفكرية والأبعاد الإديولوجية, أما إذا كان المقصود بالاستقلالية عرض الرأي والرأي الآخر في نقاشٍ علمي وحوار أدبي خلاق, دون التحيز لأي رأي, فهذا الأمر تتحلى به عدد من المجلات حتى ولو كان ذلك ظاهراً من القول والفعل, لأن تباين الآراء مسألة واقعة حتى في الدائرة الفكرية الواحدة, فلا يمكن لأي مجلة أن تَقْصُرَ نفسها على فكرة واحدة في الدائرة الواسعة التي تنتمي إليها, ومن يفعل ذلك منها حكم على نفسه بالعزلة الفكرية, وفي المقابل نجد بعض النماذج التي تحاول أن تتسم بالاستقلالية بالمفهوم الذي أشرنا إليه وذلك بعرض الأفكار المتقابلة دون حجر أو إقصاء أو تحريف أو تدخل, تاركة مسألة الفرز والاختيار للقارئ نفسه دون إملاء أو تكريس لوجهة نظر معينة. 

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.