• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

الحدث والفكر التائه بين تأويلات المحللين وحقيقة المدبّرين

الحدث والفكر التائه بين تأويلات المحللين وحقيقة المدبّرين

الحدث والفكر التائه بين تأويلات المحللين وحقيقة المدبّرين

إن ما يعيشه العالم اليوم من تسارع للأحداث في المجالات كافة أمر لم يعهده من قبل، وربما لم يكن يرد على أي تفكير قبل أربعين  سنة . إنّ العالم سيؤول يومًا إلى هذا الوضع البالغ التعقيد، الذي انهارت معه مذاهب كانت كالجبال الراسخة تحرسها أعتى القوى العالمية بأكثر الأسلحة تطورًا وفتكًا بالإنسان والجماد، واختفت امبراطوريات كان يحسب لها ألف حساب، وتلاشت أنظمة، كان الناس يظنون أن إبادتها أو إزالتها ضرب من الخيال.

ومن خلال تلك الأحداث تقذف وسائل الإعلام بوابل من الروايات التي تسوغ الحدث في أشكال وألوان متنوعة يتفجر من خلالها سيل من التأويلات والتحليلات، ويغوص الناس في البحث والتنقير عن الباعث الحقيقي لذلك، والأسباب المؤدية إليه، وربط الوقائع بعضها ببعض .

وفي غالب الأحيان تكون روايات الخبر مزورة أو مزيفة، أو أريد لها أن تخرج بما ظهرت عليه، وهنا تتوه أقلام كثير من المحللين والمثقفين وأفكارهم، وربما حصل تواطؤ بين جهات عديدة على صياغة حدث ما؛ للتغطية على ما هو أدهى وأمر منه، ويشترك في هذه المسرحية الجهة المنشئة للحدث ووسائل الإعلام المزيفة له، والجهة المغطى به عن فعلها في صورة تعد بعناية وإحكام.

ولما كان الكمال لله وحده؛ فإن الحذاق من المحللين والخبراء قد ينفذون من خلال الثغرات التي تتفلت من قبضة الإحكام، التي يحاط بها الحدث، ويتلمسون خيوط المسرحية وتفاصيلها، وربما توغلوا في الاستفصال في بحث ظروف الحال وتحليلها، فمكنهم ذلك من تنزيل وقائع سابقة منزلة العموم في الأحكام، مما يغضب الجهات الفاعلة للحدث والمشاركة فيه، فراحت تحبك مؤامرات ترسل من خلالها على هؤلاء، ومن ينتمون إليه من وسائل الإعلام شواظًا من نار الاتهامات والافتراءات؛ لردعهم عن مهامهم الشريفة، والحيلولة بينهم وبين أهدافهم النبيلة، في بيان معرفة حقيقة ما حدث.

فمنهم من يستوعب الدرس المراد فيسلم، ويولي مديرًا عن غايته وهدفه، ومنهم من يمضي في سبيله حاملاً فكرته، مقتنعًا بمنهجه، لا يلقي لما يلقى عليه بالا، ولا يعير للضجيج سمعًا، فهو سائر ولسانه حاله يقول: أكون أولا أكون، ومثله قد يكون السجن له مستقرًّا ومستودعًا، بسبب اتهامات تلصق به، وهو لا يعلم لها خبرا، ولم ير لها أثرا، وقد يصنع له من المصادفة جريمة، يؤاخذ بها وقد يكون النسي المنسي له ثمنًا، وبعد ما كان باحثًا عن الحقيقة يصير الحقيقة المبحوث عنها.

 وستبقى هذه الطريق هكذا، فيها أناس يتساقطون قبل المسير، وأناس هيئوا للغير، وآخرون يولون الدبر، وقليل ما هم الذين يتمسكون بالمبادئ، ويعملون من أجل أمانة الصدق، التي أودعهم إياها الرأي العام، الذي لا يريد إلا الحقيقة ثم الحقيقة فقط.

وتبقى طريق الحقيقة طريقًا شريفة، وإنّ جر الكلام كُلامًا، ولف القلم بالألم، ويبقى رجاله الصادقون هم المنارة التي يهتدى بها فيه، والمعالم التي يشهد التاريخ لها بأنها أفنت أنفسها في سبيل تجلية جانب مهم منه .

والله الموفق لما فيه الخير والصواب.

الدكتور عزالدين بن زغيبة

  

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.