• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

الجامعات الإسلامية ومناهج التكوين ,البحث عن الطريق الأمثل

الجامعات الإسلامية ومناهج التكوين ,البحث عن الطريق الأمثل

تاريخ النشر
2020-06-25T23:00:43

إنَّ ما نقصده بمناهج التكوين ليس المعنى الضيّق الذي يحصرها في مجموعة المقررات الدراسية، التي يتلقاها الطالب داخل قاعة الدراسة، إنما المقصود جميع الخبرات العلميّة، والعمليّة، والسلوكيّة، والتوجّهات الفكريّة، التي يستفيد منها الطالب داخل القاعة وخارجها.

وهذا المعنى الذي عناه حلمي الوكيل بقوله: " إنَّ المنهج مجموعة الخبرات وأوجه النشاط، التي توفرها المؤسسة التعليميّة للدارسين داخل قاعات الدراسة وخارجها؛ لكي تحقق لهم أقصى درجات النمو العلمي، وتحقق للمجتمع أقصى فائدة مستطاعة، ما دامت هذه الخبرات خاضعة لإشراف المدرّس.

وإنَّ ما يستخلصه الإنسان، بناءً على هذا المفهوم للمناهج، أنَّ الجامعات والكليات الإسلامية في العالم الإسلامي، مناهجها ليست على وزانٍ واحد، بل هناك تباين واضح في المناهج التي تطبقها في تدريسها، وفي تكوينها العلمي، والتربوي، والفكري لطلابها، والاختلاف الذي نعنيه هنا الاختلاف في التعامل مع الفكرة الإسلامية، والالتزام بعناصرها ومبادئها، وتشبع المقررات الدراسية بروحها والحياة الجامعية بآدابها.

فالجامعات والكليّات والمعاهد الإسلامية، في هذا الباب، تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

          القسم الأول: يتمثل هذا القسم في الجامعات والكليات الإسلامية العريقة، وما في حكمها، وكذا الجامعات التي أنشئت حديثا على أساس العلوم الإسلامية المحضة. فهذا النوع تنبع مقرّراته الدراسية من صميم الفكر الإسلامي، نظريًّا وعمليًّا، وتعمل على الالتزام بآدابه ومبادئه في سلوكها العام، وفي تصرفاتها اليومية، سواء على المستوى الإداري أو البيداغوجي. وهنا ينشأ الطالب نشأة إسلامية، بعيدًا عن الازدواجيّة في الفكرة التي يتلقاها، وعن التناقض الحاصل بين الفكرة والسلوك والتضاد الواقع بين النظري، الذي يُلقّن للطالب، والعملي، المتمثّل في الآليات ووسائل تسيير الحياة الجامعية، وهو ما يحدث في غير هذا النوع من الجامعات.

          القسم الثاني: يتمثّل في الكليَّات والمعاهد الإسلامية، التي توجد داخل جامعة مدنيّة، وضمن نسيجها العام، وترتبط بقوانينها في التسيير، وكذا في السلوك العام الذي يحكم الحياة الجامعية.

          هذا النوع من الكليات والمعاهد يخضع لازدواجية واضحة، فإن كانت المقررات النظرية، التي تقدمها هذه الأخيرة لطلابها، تلتزم بالفكرة الإسلامية التزامًا شبه كامل، فإنّها لا يمكنها تحقيق ذلك الالتزام في الناحية السلوكية على مستوى الحياة الجامعية والتصرّفات اليوميّة لطلابها، بحكم الارتباط العضوي بالمعاهد والكليّات الأخرى، التي تندرج معها في الجامعة نفسها، ولها اليد الطولى في فرض نمطها وسلوكها، بحكم الأغلبية التي تمثّلها، سواء من جهة عدد الكليّات، أو من جهة عدد الطلبة، فمثل هذه الكليّات تكون متمكنة في الغالب، من الالتزام بالفكرة، وغير متمكنة من الالتزام بالسلوك العام، لما سبق ذكره، ممّا يورث الطلاّب صراعًا نفسيًّا بين ما درسوه نظريًّا، ولم يجدوا له أثرًا إلاّ في عدد قليل من الطلبة.

          القسم الثالث: هذا النوع من الجامعات أو الكليّات يكون مستقلاً تارةً، وغير مستقل تارةً أخرى، إلاّ أنّه، في جميع أحواله، يرى من صالحه والمفيد له ترك التمسّك بالأحكام الإسلامية، مثل الحجاب، وجميع مظاهر الفكرة الإسلامية لصالح المعاصرة والانسجام مع الحضارات الأخرى، تفاديًا للانعزالية في هذا العالم، الذي أصبح قريةً صغيرة.

          وبناءً عليه فإن السلوك الإسلامي، بالنسبة للخريجين عن هذه الكليات لا يعني شيئًا، وربما أشربت عقولهم بأنَّ مثل ذلك التصرّف يعدُّ تطرّفًا في الدين.

          وربما يتبادر إلى أذهان الكثيرين أنَّ ذلك قد يكون توجها من تلك الكليّات بالطلاّب إلى التفكير في الشكليّات، والخلاف حولها وحول صلاحيتها للمجتمع الآن، لإشغالهم بها  عن القضايا الكبرى للأمة .

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

                         

الدكتور عزالدين بن زغيبة

مجلة آفاق الثقافة والتراث

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.