• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

المخطوط العربي الإسلامي أقوت للأرضة أم رسالة حضارة للعالمين

المخطوط العربي الإسلامي أقوت للأرضة أم رسالة حضارة للعالمين

إنّ موقع أي أمة بين الأمم تبعٌ لعراقة حضارتها وعظيم إنجازاتها: إذ منها تستمد وجودها الخحضاري، وبها تكتسب هيبتها وتقدير غيرها لها، ومن خلالها تتدفق معارفها وثقافتها، وذلك بالمحافظة عليها والعمل بمقوماتها.

وإذا أردنا أن ننفذ بفكرنا ونظرنا إلى عمق أي حضارة، فإنه لا سبيل لنا إلا من خلال واحد من المداخل الثلاثة الآتية:

- إما من خلال الآثار الماثلة للعيان، التي تنتصب شاهدة على عصرها وحضارة أهلها.

- وإما من خلال سلوك المجتمع وعاداته وتقاليده وتصرفاته المختلفة، حيث يسهم الدين واللغة بقسطٍ كبير في تشكلها.

- وإما من خلال المدونات على اختلاف علومها، وتنوّع مسارب مصنفيها، وهو ما يطلق عليه اسم المخطوط.

ويعد هذا الأخير، أولى من غيره؛ لأنه أهدى سبيلاً، وأفضل دليلاً، وأكثر تفصيلاً، وأحسن تأويلاً.

وقد كان لأمتنا في هذا الجانب حظٌ وفير، ولرجالها جهدٌ كبير، فأورثونا مخطوطات قوامها خمسة ملايين مخطوط، عددٌ لا أظن أنه سبق لأمة أن بلغته.

إنَّ هذا المخطوط، الذي أريد به أن يكون عدة للمجتهدين، وذخيرة للمفكرين، ومرجعًا للباحثين، يجد نفسه اليوم حبيس خزائن أحكم إقفالها، وغرف غلّقت أبوابها، عليها حرّاس شداد.

ولو تأملت هذه الغرف لوجدت أغلبها يفتقد إلى أبسط شروط الحفظ والصيانة المتفق عليها عالميًّا، وإلى جانب إنك لو حاولت طلب تصوير بعضها فقط، لوجدت نفسك أمام جملة من الشروط والقيود والتكاليف المالية ما يغدو صخرةً تتحطم عليها كل آمال البحث والاجتهاد، بل إنك تلحظ في بعض البلاد إصرارًا على تغييب أهم المخطوطات وأنفسها، والعمل دون وصولها إلى أيدي الباحثين تحت ذرائع وحجج واهية.

وأمام هذا الوضع المؤسف تظل تلك النوادر مرتعًا للأرضة والحشرات، تؤمن بها قوتها جيلاً بعد جيل، ويضع مع ذلك القوت حصائد عقول رجال أفنوا أعمارهم في جمع فرائدها، وضمّ شواردها، وتقييد أوابدها، وتضيع مع الجميع حضارة أمةٍ ما كان ينبغي التفريط فيها.

وأمام هذا الوضع استشعرت بعض المؤسسات والمراكز العامة والخاصة الخطرَ الداهم، فراحت تبذل كل نفيس من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وصيانته من عوادي الزمان، وجعله في متناول الباحثين والدارسين.

إلا أنّ هذه الجهود لم تكن هي الأخرى لتبلغ النتائج المرجوة في غالب الأحيان؛ لاصطدامها بعراقيل تحول دون استمرارها.

وإذا أمعنت النظر في كل هذه الوقائع راودك إحساسٌ بأنّ هناك شيئًا ما يحدث لقطع حبل الوصل بين الثقافة العربية والإسلامية وبين أبنائها.

وإننا لندعو من خلال هذه الافتتاحية، بكل إخلاصٍ كلَّ المكتبات العامة والخاصة، والمؤسسات الثقافية العاملة في مجال الثقافة والتراث، إلى تواصلٍ بنّاء وتعاونٍ مثمر، يحفظ المخطوط العربي الإسلامي، ويخدم الباحث العربي والمسلم في إطارٍ يحفظ لكل طرف خصوصيته وحقوقه ومصالحه.

والله الموفق لما فيه الخير والصواب

 الدكتور عز الدين بن زغيبة

 مجلة آفاق الثقافة والتراث

        العدد 24

 

 

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.