• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

البحث العلمي ما بعد السوفيات في جمهوريات آسيا الوسطى

البحث العلمي ما بعد السوفيات في جمهوريات آسيا الوسطى

تاريخ النشر
2020-06-18T23:31:20

لقد كان البحث العلمي قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، يلقى عناية كبيرة من قبل الحكومة المركزية في موسكو وترصد له ميزانية سنوية عالية وذلك من خلال الأكاديمية الروسية للعلوم والتي كانت لها فروع في جميع الجمهوريات التي كانت تحت لواء الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.

وقد كانت ثمرة هذا الجهد والإنفاق ظاهرة بوضوح في المجال العسكري وعلوم الفضاء، لقد كانت كلية التاريخ العسكري والحربي تصنف كأول كلية في العالم في تخصصها فضلا عن التصنيع العسكري الميداني أو التجسسي والذي بدأت تنكشف للعالم خفاياه وقدراته الفائقة     في السنوات الأخيرة انتهاء بالسلاح النووي المزدوج الذي لا يوجد له نظير في العالم حتى الآن، وإلى جانب هذا قدرتهم الهائلة في مجال علوم الفضاء؛ فهم أول من صنع الأقمار الصناعية، وهم أول من أرسل إنسانا إلى الفضاء، وهم أول دولة في العالم تبني محطة فضائية ألا وهي المحطة المدارية ميـر ، ولقد أدهشوا العالم بقدرتهم الفائقة في التحكم العلمي والتكنولوجي الذي أظهره خبراء الفضاء في محطة بيكونور عندما قاموا بإنزال المحطة المدارية ميـر من مدارها إلى الأرض بعدما تقرر إنهاء مهمتها.

        كل هذا التفوق العلمي والتقني لم يكن وليد الصدفة وإنما كان نتاجا لبحث علمي مكثف كانت تقوم به فروع الأكاديمية السوفييتية للعلوم الموجودة في الجمهوريات الإسلامية وتمد به المقر الرئيسي في موسكو الذي يقوم بترجمة تلك الدراسات والبحوث والتجارب إلى مشاريع عملية قائمة.

        إلا أن انهيار الاتحاد السوفييتي في 1990م كان ضربة قاضية للبحث العلمي في جمهوريات آسيا الوسطى حيث أصبحت فروع الأكاديمية السوفييتية في تلك الجمهوريات أكاديميات مستقلة بنفسها تحمل اسم الجمهورية الموجودة بها، وهي في كثير من تلك الدول عبارة عن هياكل قائمة ليس إلا، فلم تعد تحضى بالدعم المالي السابق وذلك للفقر والمشاكل الاجتماعية التي تعاني منها معظم تلك الدول، إضافة إلى انغماسها في بناء الدولة الجديدة، التي لم يبقي لها الروس من مقوماتها إلا القليل.

        وبناء عليه فإن مسألة البحث العلمي لم تعد ذات أولوية في سلم أولويات الدول الناشئة ولا ترصد له إلا مبالغ محدودة جدا لا تكفي إلا لتغطية رواتب الموظفين والباحثين المتدنية أصلا.

        وقد سألت أحد الخبراء في إحدى أكاديميات جمهوريات آسيا الوسطى عن وضع البحث العلمي قبل الاستقلال وبعده فأجاب يمكن أن نقول أن كل شيء أيام السوفييت كان سيئا إلا البحث العلمي، فإنه كان يلقي اهتماما وعناية من قبل الحكومة المركزية في موسكو، وكذا دعما سخيا، وكان وضع الباحثين أفضل وكانت مشاريعهم تلقى الدعم المالي اللازم لتنفيذها ثم أضاف قائلا إن الاتحاد السوفييتي كان دولة عظمى بكل المقاييس، فكان ينفق على البحث العلمي بلا حدود من أجل الحفاظ على عظمته وقوته، أما نحن الآن دول صغيرة وضعيفة، همها كيفية ضمان الاستقرار والعيش السليم والآمن للمواطنين ليس إلا؛ فالبحث العلمي سمة الكبار ونحن مازلنا بعيدين عن ذلك.

والله الموفق لما فيه الخير والصواب.

 

                                                         مجلة آفاق الثقافة والتراث

                                                         الدكتور عزالدين بن زغيبة

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.