• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

حريتنا هكذا نفهمها

حريتنا هكذا نفهمها

تاريخ النشر
2020-06-06T04:58:58

إن بسط مفهوم الحرية عموماً, ورسم ضوابطها وتحديد مجالاتها في المجتمع المسلم هو من الأهمية بمكان وبخاصة في ظل هيمنة المفاهيم الغربية على هذا المصطلح, مع تنامي وسائل الإعلام في البلاد العربية والإسلامية, وتزايد الدعوات لفتح المجال أمام حرية التعبير، ضف إلى ذلك استخدام مفهوم حرية التصرفات من قبل العديد من وسائل الإعلام الغربية للإساءة للإسلام والمسلمين، فكان لا بد من توضح الفرق بين الحرية المنضبطة بضوابط الشريعة كما هي في المجتمع المسلم، وبين الحرية المطلقة أو الموجهة لخدمة مصالح فردية أو ذاتية كما هي في النظام الليبرالي.

إلا أن تطور مفهوم الحرية في الحضارة الغربية بعد الثورة الفرنسية, واتساع دائرة البحث فيه ومحاولات تصديره للغير, وجد قنواتٍ عربيةً وإسلامية مكنته من التسرب - على نحو أو آخر - إلى الفكر العربي والإسلامي, وتغلغل بشكل واضحٍ في منظومتنا الفكرية والإعلامية, بل صار مطلباً شرعياً تُنادي به فئات من المجتمع الإسلامي على المثال الغربي.

ولقد اهتمت الأقلام العربية والإسلامية بهذا الموضوع فأنجزت دراسات كثيرة ومتنوعة في بحث فكرة الحرية بشكل عام  وحرية التعبير بشكل خاص وقد تراوحت هذه الدراسات بين مستهو للفكرة الغربية لكنه يسعى إلى إلباسها لباس الشرعية حتى تلقى قبولاً لدى المجتمع, وبين متمسك بالظواهر النصية بل موغل في ذلك, وإلى جانب هذا عقدت المؤتمرات العلمية العديدة, والندوات الكثيرة في كل المؤسسات العلمية, بل نال مبحث الحرية قسطاً وافراً من جهود المجامع الفقهية والمؤسسات الرسمية, وعلى الرغم من هذا كله لم ننجح هذه الجهود في تقديم النموذج الإسلامي للحرية بالشكل المطلوب والأداء الفكري المقنع, وسبب ذلك حسب رأيي أن أغلب الدراسات الإسلامية تتناول المشكلة من الناحية الفكرية فقط ولا تلتفت إلى الضوابط الشرعية, والمنازع المقاصدية, وفقه الأوليات, فبعض تلك البحوث أوغلت كثيرا في المفهوم الكلامي والفلسفي لمصطلح الحرية ولم تترك مجالا للضوابط الشرعية, بينما اختار البعض الآخر الاقتصار على الناحية الفكرية فقط في معالجة الموضوع, والغوص في الأفكار النظرية التي لا صلة لها بالواقع, في حين سلك بها آخرون مسلكا سياسيا بعيدا عن روح المجتمع الإسلامي الذي هو أساس السيادة وعليه مدار الحكم أيا كانت طبيعته.

فنحن محتاجين لجملة من الدراسات الجادة تستدرك هذا النقص وتسد هذه الثغرة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا تتم فيها العناية بالجانب الشرعي عند ضبط مفهوم الحرية، وهو ما كانت تميل عنه الدراسات السابقة, فبسط القول فيه يبين للناس مدى اعتناء الشريعة الغراء بهذا الجانب, مدى حرصها على حماية أفكار الناس وأقوالهم من المصادرة من أي جهة كانت ما لم تتضمن مفاسد في الدين والمجتمع، وخرما أو تهديدا حقيقيا غير مزعوم للنظام العام الذي اتفق المجتمع على الالتزام به والسير في كنفه.

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.