• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

الوسطیة ضمان نفوذ الشریعة في الأمة وأساس استمرار الدین في الوجود

الوسطیة ضمان نفوذ الشریعة في الأمة وأساس استمرار الدین في الوجود

الحمد لله المتفرِّدِ بنعمة الخلق والإيجاد, المتوحِّد بمنَّةِ الإنعام والإمداد, والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ خيرِ العباد، وعلى آل بيته وأصحابه الأسياد.

إن الشريعة جاءت لإقامة مصالح الناس, وتحقيق سعادتهم الدنيوية والأخروية, وبناء عليه فإن كل أمر يفضي إلى إبطال هذه الغاية, أو الإخلال بها مدفوع عن الشريعة, ولمَّا كان التشدد والتطرف في الفهم إلى إحدى الجهتين والتعمق فيهما ذلك شأنه, فإن الشريعة دلّت على رفعهما عن أحكامها وتصرّفاتها.

         وبناء عليه كان من بين أعظم المصالح التي أمرت الشريعة المكلف بتحقيقها هي؛ التزامه في جميع تصرفاته بالتوسط والإنصاف, سواء أكان جالباً لمصلحة أم دافعاً لمفسدة, وهو ماذهب إليه جمهور المفسرين([1])، في تفسير قوله تعالى: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) ([2]), لأن الإفراط في أحدهما هو التفريط في الآخر, طرفان ينتهي كل واحد منهما إلى ما هو فساد من جهة الخصوص والعموم, ولذا بدأت الآية بقوله تعالى: ( إن الله يأمر بالعدل) الذي حقيقته المعادلة والموازنة بين شيئين؛ أي التزام التوسط بينهما, إلا أن ابن العربي يعطي لكلمة العدل الواردة في هذه الآية معنى أبعد مما سبق ذكره فيقول: العدل بين العبد وبين ربه إيثار حقه تعالى على حظ نفسه وتقديم رضاه على هواه, والاجتناب للزواجر والامتثال للأوامر,([3]) وما هو في النهاية إلا إقبال على المصالح المطلوبة شرعا, واجتناب المفاسد المدفوعة شرعا.

         إن الشارع الحكيم قد بنى وصف الوسط الذي نعت به هذه الأمة, وجعله مناط أهليتها للشهادة على الخلق, على معاني متعددة, منها السماحة ([4]), والتيسير, والتخفيف, ورفع الحرج, وقد تظافرت نصوص الكتاب والسنة في الدلالة على عناية الشارع الحكيم بهذه المعاني, عناية بلغت بها حد القطع في الاعتبار, ومن ثم فإنك لا تجد حكماً من أحكام الشريعة إلا وهو محاط بأحد المعاني السابقة.

لأن الشريعة التي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون عامة للخلق شاملة لجميع جوانب الحياة وتفاصيلها دائمة في الزمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ اقتضى ذلك أن يكون تنفيذها بين المؤمنين بها والمعتنقين لها, سهلاً وميسوراً,  ولا يكون ذلك إلا إذا انتفى عنها الإعنات, فكانت سماحتها أشدّ ملاءمةً للنفوس؛ لأن فيها إراحة في حال خويصتها ومجتمعها([5]).

إلا أن هناك تخوف حقيقي لدى العديد من مفكري الإسلام وعلمائه, من مسألة الوسطية المتدفقة بغزارة على الساحة الإسلامية هذه الأيام, والهالة الإعلامية المحاطة بها, ومما يعزز هذا التخوف هو الانسحاب النسبي والهادئ للحدثيين من مساحات متعددة لصالح الوسطيين, بل نجد بينهما تناغم في بعض المسائل مما ولد شعوراً قويا بأن هناك شيء ما يطبخ في الكواليس تحت هذا المسمى المنظور إليه بعين الرعاية والاعتبار في الشرع الكريم.

وبغض النظر عن كل هذه الهواجس والتخمينات فإننا سنتناول الموضوع كما ورد في أصوله, وكما ضبط العلماء فروعه وتفاصيله.

                              من يرغب في الحصول على البحث كاملا فإننا ندعوه بكل لطف وتقدير للتسجيل في الموقع هنا

 

جزء من النص

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.