• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

ومما لا يعلمــون

قال الله تعالى:] سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [

            من المعلوم أنّ المقصود بالأزواج الذكر والأنثى، وأنّ وجود جِنْسي الذكر والأنثى فيما تنبته الأرض،وما يخرج منها، أصبح أمرًا معلومًا، لا يجادل فيه أحد، وكذلك قولـه تعالى :] وَمِنْ أَنفُسِهِمْ [؛أي الرجل والمرأة، اللذان تستمر الحياة والنوع البشري بوجودهما معًا، لا بأحدهما، هذا كلّه أمر معلوم على التفصيل للناس، لكن بيت القصيد في الآية السابقة قوله تعالى: :] وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [؛ أي إنّ هناك أنواعًا من الأحياء خلقها الله ذكرًا وأنثى، ولكن الناس لا يعلمون ذلك، ولا يدركونها بأبصارهم، ولا بعلمهم، ولا بالوسائل التي كانت بحوزتهم تسعفهم على ذلك زمن نزول هذه الآية، وما بعده من القرون، ولكن جاءت نخبة من بني آدم، أتيح لها من العلم والمعرفة ما لم يتح لغيرها من قبل، وسخر لها من وسائل البحث ما لم يعرف السابقون منه فتيلا، فتمكنوا بأمر الله تعالى من الولوج إلى بعض ذلك، فانكشفت لهم بعض حقائق علم الأحياء، وتبين لهم أن ما كانوا يعتقدونه منذ زمن طويل جنس واحد، تأكدوا أنه زوجان؛ ذكر وأنثى، وقد يكون هذا النزر اليسير مما لا يعلمون، وما خفي عليهم أعظم.

 

        والذي نعنيه بالحقائق هنا ما وصل إليه البحث في علم الأحياء من أنّ الجراثيم الدقيقة، التي لا ترى إلا بعد تكبيرها بالمجهر الإلكتروني مليون مرّة فأكثر، هي ليست جنسًا واحدًا كما كان يعتقد من قبل، بل هي ذكر وأنثى، وتوصلوا إلى ذلك عندما تمكنوا بالوسائل التكنولوجيّة الدقيقة، والمتطورة من مشاهدة زوجين لنوع من الجراثيم، ذكر وأنثى، فالذكر شكله دائري، وفوق سطحه شعيرات، ومن بين تلك الشعيرات القصيرة تمتد شعرة طويلة، تلتصق بجسم الجرثومة الأنثى- وتسمى الشعيرة الجنسية - التي هي أيضًا دائرية مسطحة، وليس عليها شعيرات، ولما قاموا بقطع الشعيرة الطويلة (الشعيرة الجنسية)، التي تخرج من جسم الذكر إلى جسم الأنثى، وجدوها مجوفة من الداخل، أي على شكل قناة، يتدفق من خلالها من الذكر نحو الأنثى حامل الصفات الوراثية (الصبغيات D N A) باللغة  الإنجليزية ،أو(A D N)  باللغة الفرنسية، فتحول به الأنثى إلى ذكر، وهكذا تستمر العملية.

 

        وإذا علمنا أنّ عددًا غير محدود من الجراثيم الجديدة  تظهر في الكون باستمرار نتيجة أفعال الإنسان السلوكيّة، و المخبريّة، و التدميريّة، فمن غير شك أنه يجهل الكثير عن تفاصيل جنسها وعن طبيعتها، إضافة إلى ما هو أصغر منها من الجسيمات السابحة في الفضاء، وفي جسم الإنسان، التي تعدّ بالميارات . وكل هذا الذي نتحدث عنه من حقائق العلم، ولا نتحدث عما هو في دائرة الظن والشك، والاحتمال حتى الآن،وأنّ البحث لا يزال جاريًا فيه.

       

ولا يتوقع أحد أن ما وصل إليه العلم من حقائق في علم الأحياء تفسير كامل لقوله تعالى : :] وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [، وأن الأمر قد كشف عنه الحجاب .

 

        فالآية الكريمة ستظل معجزة إلى يوم يُبعث الناس، وإنّ ما لا نعلمه في هذا المجال الأكبر مما نعلمه في هذا العلم، ولعلّ التطور العلمي المذهل، الذي تعرفه البشرية في كل مجالات الحياة، سيكشف في قادم الأيام ما هو أكثر تعقيدًا أو تركيبًا، وقد تصل البشرية إلى حقائق، لم تكن تجول في خيال أي عبقري منها، إنها عجائب الله في خلقه، وأسرار قدرته، كلما ازداد الإنسان علمًا مكنه من جزء منها؛ ليستيقن الذين أوتوا الكتاب أنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، ويزداد الذين آمنوا إيمانًا ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

د.عز عز الدين بن زغيبة

مدير التحرير

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.