• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

هكذا يفكرون ويُنَظِّرُون

هكذا يفكرون ويُنَظِّرُون

       إنّ نظرة فاحصة مرفقة بمسح شامل لتاريخ بلادنا العربية والإسلامية المعاصر، تكشف عن أحداث مرعبة، وصور مروعة، لا يصدقها التاريخ نفسه الذي تكفل بحفظها في ذاكرة الزمن، وأوضاع مأساوية أعيت الصدور عن إخماد نار بركانها، والعيون عن كفكفة سيول دموعها، والقلوب عن تضميد جراحها.

       أوضاع أفنت بها ساحات الوغى خيرة أبنائنا، وابتلعت بها مشاريع التنمية المزعومة حيث لا يرى لها النظر أثراً معظم ثروتنا، واستباح بها الغير حرمتنا، فسلب منا أنبغ عقولنا، وأمام هذا كلّه لا يملك المرء إلا أن يسأل نفسه من المسؤول عن ذلك كله؟

       لا يشك أحد منا أن جانباً كبيراً من المسؤولية يتحمله أولئك الذين أناطت بهم الأمة مقاليد أمورها، وفوضتهم في التفكير عنها، والتنظير لمستقبلها، وهم جزء منها، لأن أولئك المنظرين كانوا ينطلقون من قاعدة اعرف الحق بالرجال، فكان عندهم كل ما يقوله المتفرد أو يفعله هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، غير عابئين بالظروف المحيطة به من سهو وغفلة، أو لحظة حماس واندفاع، أو تجاوز المتفرد لمجاله إلى أمور لا يحسمها إلا الخبراء والفنيون أو أمر قد يُساق للاستهلاك الداخلي أو الخارجي ولا علاقة له بمشروع الأمة والحسابات المتعلقة به.

       وبناء عليه كانوا ينظرون في الأمر نظر الباحث عن المبررات والمؤيدات لا نظر الناقد المدقق الباحث عن القيمة الحقيقية للقول أو الفعل، مستنداً إلى حسابات المصالح والمفاسد التي تترتب عليه في الأمة، ومآلاته في مستقبلها، فكانوا يعمدون إلى استعمال كل الوسائل الممكنة لتحميس الجمهور وتجييش مشاعره لتلك الأفكار دون أن يفسروا له أمراً، أو يبينوا له نزراً، حتى إذا وقعت الواقعة واستفاق الناس على هولها، قالوا إن ذلك بسبب أمور لم نحسب لها حساباً، والحقيقة لم يكن هناك حساب بالمرة بل الحساب الوحيد هو التـفنن في تقديس أفكار المتفرد، والتَنْظَير لحمايته؛ لأنهم يرون وجودهم من وجوده لا من وجود الأمة، فمنطقهم الذي يُنَظِّرُونَ له ويعملون من أجله هو (نحن أو الكارثة).

       وما حرب 1967 بين العرب واليهود إلا دليلاً ساطعاً على ذلك، فاليهود الذين أجهزوا على سلاح الجو العربي في الثلاث ساعات الأولى للحرب، واقتناعهم بأن الحرب تسير لصالحهم بعد تلك الضربة منعوا إعلامهم من التلفظ بأي كلمة عن الحرب، حفاظاً على مصالح أمتهم من غضب السوفيات ودول العالم التي طلبت منهم عدم البدء بالحرب، ناظرين الضرر المعنوي والمادي الذي قد يلحقهم بسبب ذلك، ولو كانوا ناظرين إلى  مصلحة المتفرد لأذنوا لإعلامهم أن يتغنى بالضربة القاتلة وتشبه الحاسمة التي باغت بها اليهود العرب.

       وبينما كانت الأمة تغرق في وحل الهزيمة، كانت ابواقنا تدوي أصواتها بانتصارات موهومة لا وجود لها؛ لأن المهم كان هو خدمة المتفرد وليس مصلحة الأمة.

فشتان بين منظر أرهقت طرق الحساب عقله، وأرق الفكر جفونه، بحثاً عن مصلحة أمته، ومنظر فارقت أمانة النصح ضميره،  وحسن المشورة عقله وقلبه، فكان مظللاً لمن هو فوقه ولمن هم دونه.

 

والله الموفق لما فيه الخير والصواب

مدير التحرير

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.