• صدور العدد الثاني من مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي - التحميل من الموقع

الوقاية من الجريمة ةومقاصد الشريعة الخاصة بالعقوبات

الوقاية من الجريمة ةومقاصد الشريعة الخاصة بالعقوبات

تاريخ النشر
2020-07-02T00:48:16

        إن من أعظم المقاصد الخاصة بالعقوبات والتي حرصت الشريعة على إقامتها؛ هي الوقاية من الجريمة وقوعا وانتشارا، والدليل على هذا المقصد بل الأدلة كثيرة ربما بلغت حد التواتر المعنوي منها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحذف؛ حيث قال: " لا يصاد به صيد ولا ينكأ به عدو ولكنه قد يكسر السن ويفقأ العين"، ونبه المسلمين إلى المسك على نصال نبالهم، والانتباه بأن يصيب بها أحد، وبخاصة في أماكن اجتماع الناس؛ حيث تكثر الحركة والتزاحم مثل المساجد والأسواق، وكل ما من شأنه ذلك؛ حيث تكون أسباب الخطأ كثيرة إذا لم تكن هناك حيطة زائدة حيث قال صلى الله عليه وسلم: " إذا مر أحد في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصلها أن تصيب أحد من المسلمين منها شيء".

        وأبعد من هذا وزيادة في الاحتياط والوقاية من وقوع الجريمة منع صلى الله عليه المسلمين من أن يشير أحدهم إلى أخيه بسلاحه فقال: " لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار".

        ويندرج تحت هذا المعنى وينعقد في سلكه قوله صلى الله عليه وسلم: " من حمل علينا السلاح فليس منا"، كما نهى صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولا، ومن شدة اعتناء الشريعة بمقصد الوقاية أن حرصت على وقاية الإنسان من عمل نفسه؛ حيث نهى صلى الله عليه وسلم أن يفذ السيف بين أصبوعين.

        ومن خلال الأدلة السابقة تبين لنا أن من أعظم المقاصد الخاصة التي قصدتها الشريعة في أبواب العقوبات هي وقاية المجتمع من جميع الجرائم التي تهدد صلاح الفرد بالانخرام ووحدة المجتمع، وتماسك نظامه من الاختلال، ولتحقيق هذا المقصد كاملا راسخا عاجلا ميسورا، تم ضبط جملة من الأصول لتؤدي العقوبات وظيفتها كما ينبغي أن تكون عليه، وهذه الأصول هي:

الأصل الأول: أن تكون العقوبة مانعة للكافة من الجريمة قبل وقوعها، فإذا وقعت الجريمة فالعقوبة مؤدبة للجاني على جنايته، ومزجرة لغيره عن التشبه به وسلوك طريقه، وفي هذا يقول بعض الفقهاء عن العقوبات: أنها موانع قبل الفعل زواجر بعده؛ أي أن العلم بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل وبعد إقاعها يمنع العودة إليه.

الأصل الثاني: إذا اقتضت حماية الجماعة من شر المجرم استئصاله من الجماعة كالمحارب أو حبس شره عنها وجب أن تكون العقوبة هي قتل المجرم، أو حبسه عن الجماعة حتى يموت ما لم يتب أو يصلح حاله.  

الأصل الثالث: إن حد العقوبة هو حاجة الجماعة ومصلحتها، فإذا اقتضت مصلحة الجماعة التشدد شددت العقوبة، وإذا اقتضت التخفيف خففت العقوبة، فلا يصلح أن تزيد العقوبة أو تقل عن حاجة العامة، إلا أن تخفيف العقوبة وتشديدها يرتبط أيضا من ناحية أخرى بالمسؤولية الجنائية أو القصد الجنائي، فهي تختلف باختلاف درجة العصيان، فإن قصد الجاني العصيان شددت العقوبة، وإن لم يقصد العصيان خففت العقوبة، فقصد العصيان وعدمه عامل أولي في تعيين العقوبة.

الأصل الرابع: إن كل عقوبة تؤدي إلى إصلاح الأفراد وحماية الجماعة هي عقوبة مشروعة، فلا ينبغي الاقتصار على عقوبات معينة دون غيرها.  

 

الدكتور عز الدين بن زفيبة

مجلة آفاق الثقافة والتراث – العدد: 110 – جون 2020.    

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.